تاريخ المصرييين
تعنى هذه السلسلة بإثراء المعرفة التاريخية وإعلاء شأن ثقافتها؛ وذلك بنشر الدراسات والمؤلفات التاريخية
القيمة، الملتزمة بقواعد البحث العلمي وتقاليد الكتابة الأصيلة في التوثيق والأسلوب، التي يكتبها المصريون،
ويكتبها غيرهم عن مصر والمصريين. وهي لا تهتم بتاريخ الحكام والأنظمة السياسية والنخب فحسب، وإنما تهتم على نحو خاص بتاريخ الشعوب والموضوعات والقضايا التاريخية في مختلف المجالات، الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية.. وفي جميع عصور التاريخ القديم والوسيط والحديث والمعاصر.

هذا الكتاب
لعل الكتابة في تاريخ الأفكار من المهام الصعبة التي لا يقبل عليها إلا قليل من الباحثين؛ لأنها تتطلب استيعاباً كبيراً لأبعاد الحركة الاجتماعية التي انطلقت منها وأيضًا أبعاد الحركة السياسية التي قامت على أساسها، فضلا عن الإلمام الواسع بأبعاد انتشار فكرة بعينها في بعض المجتمعات دون أخرى؛ حتى يمكن للباحث تقدير قيمة هذه الفكرة في المحيط الإنساني. والفكر الاشتراكي أحد الأفكار الإنسانية التي شغلت البشرية زمنا طويلا بحثاً عن العدالة ولتحقيق توازن قوى المجتمع في مواجهة سيطرة أصحاب رأس المال الزراعي والصناعي والتجاري، وانفرادهم بتحديد مسيرة المجتمع ومصير أبنائه الذين لا يملكون إلا قوة عملهم، يقدمونها لأصحاب رأس المال مقابل القليل الذي لا يتناسب مع جهدهم. ورغم أن الفكر الاشتراكي ظهر في أوروبا مع نضع الرأسمالية الصناعية في منتصف القرن التاسع عشر بصورة واضحة على يد كارل ماركس، فإن مصر بدأت تتعرف إليه في مطلع القرن العشرين مع بروز التناقضات الاجتماعية بين المسريين التي بدأت في الظهور مع استقرار الملكية الفردية للأرض الزراعية خلال الفترة من ۱۸۹۱ - ۱۸۹۹، ودخول كبار مُلاك الأراضي مجال استثمار أرباحهم في المشروعات الصناعية والتجارية، لعل أبرزها ما وضح في إنشاء بنك مصر في عام ۱۹۲۰ وكانت إنجلترا التي احتلت البلاد في ستمبر ۱۸۸۲ قد زرعت بذور نمو الاستغلال الرأسمالي في مصر حين فتحت الباب لأصحاب رأس المال الأوروبيين وفي مقدمتهم الإنجليز، فانجذب إلى صفوفهم كبار ملاك الأراضي من المصريين ومن ثم تبلورت طبقة رأس المال في مصر. ولما بدأت معالم الاستغلال الاجتماعي لرأس المال تتبلور في مصر، بدأ الفكر الاشتراكي يفرض نفسه بين أبناء الطبقة الوسطى، على يد نخبة من الشريحة العليا لأبناء الطبقة الوسطى في مصر طلبا للعدالة ومنع الاستغلال، ولهذا؛ لم يكن من قبيل المصادفة أن يبدأ الفكر الاشتراكي في مصر في مطلع القرن العشرين وتحديدا بعام ١٩٠٧. وعلى هذا جاء هذا الكتاب الذي وضعه السيد حسين طنطاوي عن الفكر الاشتراكي في مصر بين عامي ۱۹۱۵ إلى ۱۹۹۲ ليعرض لنا مسيرة هذا الفكر وأصحابه خلال هذه المدة وكيف نجحوا في تقديمه رغم الظروف السياسية المعادية، حتى لقد كانوا يغامرون بحياتهم من أجل نشره وتطبيقه. وأشهد أن السيد طنطاوي بذل جهدًا ملحوظا في عرض معالم الفكر الاشتراكي في مصر خلال فترة البحث من خلال الوثائق والمصادر المتاحة، بأسلوب يغري
القارئ بمتابعة ما كتب دون ملل أو كلل.
والآن عزيزي القارئ.. أتركك مع صفحات هذا الكتاب لكي تستمتع بمتابعة صفحة من تاريخ الفكر الاشتراكي في مصر من باب التأمل في الحاضر الذي نمیشه حلوان في أول أبريل ٢٠١٩م.
د. عاصم الدسوقي
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة حلوان